الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية بقلم منصف بن مراد: الشرطة الأخلاقيّة من جديد!

نشر في  19 أوت 2015  (12:16)

شاهد بعض التونسيين صورا لشاطئ الهوارية به مجموعات ترتدي أقمصة «تي شارت» كتب عليها «الحماية البيئية والأخلاقية لشواطئ الهوارية»، وهذا أمر محيّر لأنّه دخيل على عاداتنا وتقاليدنا التونسيّة ويذكّرنا بجمعيّة «الأمر بالعروف والنهي عن المنكر» التي حاول عادل العلمي بعثها في العاصمة سنة 2013...
من الناحية القانونيّة والدستوريّة لا يجوز لأيّ مجموعة مهما كانت ان تتولّى «حماية» الأخلاق (!) لأنّ الحرّيات مضمونة ولا يحقّ لأيّ كان أن يفرض فكره المتزمّت أو غيره على الآخرين!

والخطير في الأمر انّ معتمد الهوارية ورئيس منطقة الأمن ورئيس المركز كانوا على علم بوجود هذه الجماعة التي نشطت لمدّة ثلاث ساعات ولم يحرّكوا ساكنا لمساءلة أفرادها ومنعهم من ممارسة نشاطهم الخارج عن القانون، فالثابت أنّ البيئة ليست سوى غطاء للتضليل وأمّا الهدف الحقيقي فهو التدخّل في شؤون الآخرين بدعوى حماية الأخلاق.. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا لماذا لم يتدخّل معتمد الهوّارية فورا ليسدّ الطريق على هذه المجموعة التي يرفض أفكارها القانون والاسلام الوسطي لجامع الزيتونة! وللتذكير فانّ تونس لم تشهد منذ قرن مجموعات من هذا النوع لأنّ مشائخها رفضوا التطرّف والترهيب واعتمدوا الإقناع دون سواه..
فماذا تعني حماية الأخلاق بالنسبة الى مثل هذه المجموعة؟ طبعا منع «البيكيني»، وهو بدلة سباحة باتت مألوفة لدى عدد من الإناث في الشواطئ السياحيّة، ولو امتدّ نشاط هذه الشرطة «الأخلاقية» إلى شواطئ الحمامات وسوسة وجربة وطبرقة فسيفرّ من بقي من سياح ممّا سيزيد في تدهور اقتصادنا!
 وبعد أن حاول بعض الظلاميين تركيز امارات في سجنان وفي أماكن أخرى ها إنّ ظاهرة لا تقلّ عنها خطورة تبرز في الوطن القبلي ولا تقابل بالحزم المطلوب والسّريع من قبل السلطات المسؤولة في الولاية!

وفضلا عن «البيكيني» إذا كان هناك جماعات تحتسي الجعة والخمر وتقلق راحة المصطافين فإنّ التصدّي لها موكول إلى الشرطة ولا يحقّ لأيّ مجموعة أن تعوّضها في مهمّتها..
بقي أمر القبلات! يا إلهي، هل أصبحنا في تونس نهتمّ بـ«البيكيني» والجعة والقبلات في الشواطئ عوض ان نتناقش حول تكثيف البحوث الطبية والعلمية واكتشاف أدوية جديدة وحواسيب وتطوير الزّراعات التي لا تحتاج الى كثير  من الريّ أو حول آخر قصّة لروائي تونسي؟! لا حول ولا قوة الاّ بالله! هل وصل بنا الأمر الى حدّ الجدل حول القبلات على الشواطئ؟
انّي أرفض مواصلة الحديث في هذا الموضوع الذي ينبئ بمخاطر كبيرة وتهديدات جدّية للحريات يطلقها من جعلوا من جسد المرأة ومن الجنس ركيزة لأفكارهم المتعصّبة! انّي أدعو السيد وزير الدّاخلية الى التدخّل فورا واعطاء تعليماته للولاة لمنع كلّ نشاط لمثل هذه الجماعات التي ابتلينا بها وحلّها دون ايّ انذار.
على صعيد آخر وحول الرّخصة التي منحتها «الهايكا» (الهيئة العليا للقطاع السمعي البصري) لقناة الانسان، أرى في هذا القرار ما يؤكّد انّ هذه الهيئة مفلسة سياسيا وأخلاقيا ومهنيا لأنّها سمحت لهذه القناة التي تدعو الىالجهاد والكراهية بأن تواصل بثّ التفرقة والفتنة، وإن وعد أصحاب هذه التلفزة بأنّها ستصبح «جامعة» بحيث ستتناول كل شؤون المجتمع بما في ذلك السياسة وذلك انطلاقا من قناتها الدّينية المتشدّدة! انّ هذه الهيئة التي أقرّت خطايا هامّة ضدّ  بعض الأجهزة الإعلاميّة بصدد غضّ الطرف عن  الإذاعات والتلفزات المتطرّفة التي تفرّق بين أبناء الشعب الواحد وتضرّ باستقرار تونس في حين كان عليها أن تضع حدّا لنشاط أيّ جهاز سمعي بصري ينشط دون رخصة أو يبثّ الفتنة ويدعو الى الجهاد وهدم أضرحة الأولياء الصّالحين أو يُكفّر الإعلاميين والسياسيين! لكنّها أصبحت تشاهد الجريمة ولا تفعل شيئا! لقد كنت من بين أعضاء اللجنة التي أعدت مشروع «الهايكا» وأتذكّر أننا حاولنا تقنين الحريات لكننا أوردنا فصولا تمنع زرع بذور الحقد والتطرّف، فماذا حدث لرئيسها نوري اللجمي الذي عين زمن الترويكا «المباركة»، وماذا حدث لأعضائها حتى يسمحوا لإذاعات التطرّف الدّيني وتلفزاته بأن تواصل تدميرها للمجتمع المدني وتهديد مستقبله، علما انّ بعض الأيمّة المتشدّدين يساهمون أيضا في بثّ الفتنة وهم مدعومون من بعض الأحزاب!

انّ تونس بحاجة الى مؤسّسات تخدم المصلحة العامّة وقيم الحداثة، لا إلى أشخاص يهدّدون مستقبل الأجيال القادمة!
كلمة أخيرة تخصّ جمعية مديري الصحف التونسيّة التي تخلّيت عن رئاستها تلقائيا لأسباب سأتولّى شرحها يوما، ماذا تفعل للدّفاع عن المؤسسات الإعلامية واستمرارها؟ هي تغطّ في نوم عميق كما كان حالها في العهد البائد... هي نائمة بينما القطاع في خطر! انّ المصالح الضيّقة والرّكود لا يخدمان حرية الصّحافة الورقيّة  والالكترونية ناهيك أنّه لا حمادي الجبالي ولا علي العريض ولا مهدي جمعة ولا الحبيب الصيد فعلوا شيئا لتنظيم الإعلانات العموميّة والاشتراكات! فنحن ننتظر منها عقد مؤتمرات صحفيّة وتنظيم وقفات احتجاجيّة والتنديد بالتقصير الحكومي، لكن لا حول ولا قوّة الاّ بالله!